الصندوق العالمي للطبيعة يُحذر: الظروف مهيأة لحدوث وباء آخر مالم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة
يؤكد الصندوق أن إشارات التحذير بقرب حدوث الوباء كانت واضحة
بينما يستمر العالم في مجابهة التداعيات المروعة التي شهدها في ظل انتشار فيروس كوفيد-19، يدعو الصندوق العالمي للطبيعة إلى اتخاذ إجراءات عالمية عاجلة لمواجهة محركات رئيسية صنفتها كمسببات لأوبئة ترتبط بأمراض حيوانية المنشأ في المستقبل.
وفي تقرير نشرته بعنوان "كوفيد-19: إجراءات عاجلة لحماية الإنسان والطبيعة"، أكد الصندوق العالمي للطبيعة أن العوامل البيئية التي تؤدي إلى ظهور أمراض حيوانية المنشأ تتضمن الاتجار بالحياة الفطرية واستهلاكها بمعدلات مرتفعة وتحويل تغيير استخدام الأراضي لأغراض أخرى ما يؤدي إلى إزالة الغابات والتصحر وتوسيع نطاق الزراعة غير المستدام، فضلاً عن الإنتاج الحيواني غير المستدام. وكان العالم قد تلقى تحذيرات متكررة من علماء ومختصين، كتلك التي أطلقها المشاركون في المنتدى الاقتصادي العالمي، حول مخاطر حدوث وباء عالمي، حيث صنف المنتدى على مدى العقد الماضي خطر انتشار الأوبئة والأمراض المعدية كأحد أبرز المخاطر العالمية، معتبراً إياه "تهديداً خطيراً للحياة البشرية".
وقال ماركو لامبرتيني، المدير العام للصندوق العالمي للطبيعة: "علينا بشكل عاجل أن نحدد الترابط بين ما تتعرض له الطبيعة من دمار وأثر ذلك على صحة الإنسان، وإلا فإننا سنكون على موعد مع وباء آخر قريباً، حيث يتوجب علينا كبح جماح استهلاك وتجارة الأحياء الفطرية بمعدلات عالية الخطورة، والحد من إزالة الغابات واستخدام الأراضي وإدارة إنتاج الغذاء بسبل مستدامة. وستساهم كل هذه الإجراءات في الحد من مسببات انتشار الأمراض بين البشر، فضلاً عن الحد من جملة المخاطر العالمية التي تواجه المجتمعات بما في ذلك فقدان التنوع الأحيائي وتغير المناخ، فلا مجال للنقاش وما يؤكده العلم واضح وصريح؛ علينا أن نعمل لصالح الطبيعة وليس ضدها، فقد أصبح الاستغلال غير المستدام للطبيعة خطراً محدقاً بنا جميعاً."
وتبقى التساؤلات حول منشأ فيروس كوفيد-19، إلا أن كافة الأدلة المتوفرة تشير إلى أنه مرض حيواني المنشأ، ما يعني أنه انتقل من الأحياء الفطرية إلى الإنسان. وكانت الحكومة الصينية قد أعلنت في 24 فبراير حظراً شاملاً لاستهلاك الحيوانات البرية، الأمر الذي يؤيده الصندوق العالمي للطبيعة، والآن، يؤيد مجلس الشعب الوطني (NPC) مراجعة القانون الحالي لحماية الحياة الفطرية، والذي سيجعل من قانون حماية الحياة الفطرية في الصين، في حال تم تنفيذه بالكامل، واحداً من أقوى القوانين العالمية ذات الصلة وأكثرها صرامة.
وبالرغم من ذلك، فإن مواجهة تجارة واستهلاك الحياة الفطرية بمعدلات مرتفعة وحده لن يكون كافياً للوقاية من الوباء المقبل، فنظام الغذاء العالمي غير المستدام يؤدي إلى تحويل مساحات واسعة من الأراضي إلى مناطق زراعية ما يهدد النظم الطبيعية ويزيد التفاعل بين الحياة الفطرية والثروة الحيوانية والإنسان. ففي عام 1990، تمت إزالة 178 مليون هكتار من الغابات، أي ما يوازي مساحة ليبيا، البلد الـ18 على مستوى العالم من حيث المساحة، كما أن 10 ملايين هكتار من الغابات [1] يتم فقدانها سنوياً بفعل تحويل الأراضي لأغراض زراعية وغيرها من الاستخدامات.
من جهة أخرى، بدأت حالياً ملامح مأساة بالظهور في البرازيل أيضاً في ظل عمليات إزالة الغابات المتسارعة نظراً للانخفاض في إجراءات إنفاذ القانون من قبل الحكومة المحلية، حيث يأتي ذلك بعد زيادة بمعدل 64% شهدتها إزالة الغابات في شهر أبريل مقارنة بالعام الماضي [2].
ويؤكد ما شهده العالم في ظل انتشار وباء كوفيد-19 على ضرورة إجراء تغييرات نظامية للوقوف على المحركات البيئية للأوبئة، حيث يدعو الصندوق العالمي للطبيعة لاتباع نهج "الصحة الموحدة" الذي يربط بين صحة الإنسان والحيوانات والبيئة المشتركة للجميع، وأن يتم تضمين ذلك في صناعة القرار حول الحياة الفطرية وتحويل استخدام الأراضي لأغراض أخرى، كما يجب إدراج ذلك ضمن كافة القرارات المالية والمرتبطة بالأعمال، خاصة تلك المتعلقة بالصحة العالمية.
وأضاف لامبرتيني: "يقف العالم في خضم هذه المأساة على أعتاب فرصة سانحة لتحسين علاقته مع الطبيعة والحد من مخاطر الأوبئة المستقبلية، إلا أن مستقبلاً أفضل يتطلب قرارات تتخذها الحكومات والشركات والأفراد حول العالم الآن وبشكل فوري. فعلى العالم اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز علاقتنا بالطبيعة، فنحن في أمّس الحاجة لاتفاق جديد بين الطبيعة والإنسان يضع الطبيعة على درب التعافي بحلول العام 2030 ويحمي صحة البشرية وسبل العيش على المدى البعيد."
ويسلط الصندوق العالمي للطبيعة الضوء على قمة الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، التي من المقرر انطلاق فعالياتها في سبتمبر 2020، بصفتها محطة هامة لقادة العالم لدفع عجلة اتخاذ الإجراءات المتعلقة بالطبيعة قبل اتخاذ القرارات المفصلية التي من المقرر اتخاذها في عام 2021 حول البيئة والمناخ والتطوير. وتمثل هذه القرارات مجتمعة فرصة سانحة لتعزيز علاقتنا بالطبيعة وتوفير مستقبل مستدام للإنسان وكوكب الأرض.